Image Not Found

الفتوّة الدَّائمة: صادق جواد سُليمان

Visits: 18

أحمد اليعربي – جريدة الفلق الإلكترونية

لا يُخمدُ العمر النار الملتهبة في قلب المرء إلا إذا لم تَكُ تلكَ النار نارا، وإنما خيالات يتوهمُها حاملُ القلبِ مرةً، ويوهِمُ بها من هُم حَولَةُ مرة أخرى؛ ذلك أن العمر والزمان هما أصدق اختبار لصدق تلك الجذوة، إن هي بقيت مشتعلة ولا يخفت أوارها، أدركنا حقيقتها، وإلا فما هي إلا وهم وخيال. وليس الشباب والفتوة مقياسًا زمانيًا عند أهل الفضل والمعرفة، وإنما هو مقياس ذهني يحدده توقد العقل وذكاء الروح، ذلك أنه من المجحف أن تسمي العشرات حولك من إخوة الجهالة الذين يتنعمون بشقاوة الجهل ويتمرغون في أحضانه بأنهم “شباب”، أية فتوة تلك وهم لم يتجشموا أية مغامرة من مغامرات العقل؟ ولا راقصوا يوماً فكرة؟، ولا طاردوا أخرى بغية اصطيادها في سهول وجبال وآفاق متنوعة تضاريسها؟، أما الروح، فرحمات تترى عليها، هي وإن كانت طبيعتها تأبى الفناء، إلا أن إخوة الجهالة قتلوها بتوافه الأمور، والتعلق بزائف العيش، وجعلوا من أنفسهم مثالاً للسقوط في دركات التخلف، عِوض الترقي في مدارج السمو. إننا لنجد في حياتنا شواهد تؤيد صدق هذه الفكرة، فيا لروعة إنسانٍ كالأمريكي نعوم تشومسكي، تقرأ له كتاباً أو تشاهد له مناظرة/ محاضرة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، فتجده ذلك الشاب المتقد والمنخرط بشجاعة في النضال السياسي، والمدافع بصدق وحماسة عن حقوق الإنسان، أي إنسان، سواء بسواء، وفاضحًا بشراسة توحش الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومبينًا جرائمها، مستندًا في ذلك إلى آلاف الوثائق والمراجع، محللاً بـ”عقله الجميل” الواقع السياسي الملغّز دوماً، وتنظر إلى الرجل اليوم وهو المشارف للتسعين، فتلفيه الشاب المناضل ذاته، المحلل البارع، الفاضح دوماً للتوحش الرأسمالي غير المكترث بقيمة الإنسان، إنك لن تلمس في الرجل أي علامة من علامات اليأس والتسليم المتذرع بكبر السن، ولن تخطئ عيناك توقد الذكاء من عيني الرجل، وحركة جفنه الأيمن الشهيرة، أو حتى حركة كفيه المميزة أثناء الكلام، ولولا إمارات المشيب التي تتبدى للعيان، لحسبت أنك أمام تشومسكي في ستينيات القرن الماضي.

ومن تشومسكي حتى صادق جواد سليمان، وهو شاهد آخر على صدق فكرة الفتوة الدائمة، بالطبع، ليس لصادق من الشهرة ما لتشومسكي، وإني لأذكر أول مرة تعرفت فيها الرجل وهو في عقده السابع، وقت أن كنت طالباً في السنة الثانية بكلية الحقوق في جماعة السلطان قابوس، مستقلاً سيارة الأجرة من منطقة الخوض قاصدًا الجامعة، حينها سمعت في المذياع عن فعالية ستقام في مساء ذلك اليوم في النادي الثقافي تتعلق بمسألة التصوف في عمان، واستضاف المذيع/ة وقتها الكاتب سماء عيسى للتحدث عن هذه الفعالية، أذكر وقتها أنني سُحِرتُ بهذا الاسم: “سماء”، ولكم تعجبت كيف لبشر أن يستوعب كل معاني الجلال والعظمة والجمال التي تستوطن السماء!، وكيف يمكن لك أن تذكر هذا الاسم دون أن تغمض عينيك وترفع رأسك للسماء منتشيا. ومن فوري قررت أن أحضر الفعالية، وتصادف أن وصلت الفعالية متأخراً ، فجلست في آخر القاعة، وهنا كنت على موعد مع الدرس الأول الذي سأُهذُّب به نفسي من وحي صادق جواد، إلا أني أود أن أقدم بين يدي هذه الدرس مقدمة لا بد منها.

إن الإنسان لا تعوزه معرفة الحكمة، فهي طيّعة مُشاعة، تهب نفسها لمن أرادها، بيد أنها لا تسوطن إلا عقل وقلب من وفّى حقها، فلو كانت الحكمة عروسًا حسناء، فإن مهرها دراهم معدودات، ولكن إدامة العيش معها ثمنه قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، على أن الجسر الذي يربط “معرفة الحكمة” بما هي معرفة نظرية محضة، بسلوك ووجدان المرء هو جسر وعر، وأن عملية الاستنبات الأولية لهذه المعرفة النظرية في وجدان المرء لهي عملية صعبة، فهي تحدث في صورتها الطبيعية بالكثير من ترياق الصبر وتهذيب النفس وتزكيتها، وقد تحصل بوجود “محفز” –بالمعنى الكيميائي للكلمة- لهذا الاستنبات، كأن يصعق المرء بحادث من حوادث الأيام، وبنات الليالي، فترتفع عنه الحُجُب، ويتقد معه الوعي، أو أن ترى تلك الحكمة متجسدة في سلوك شخص تجسداً أصيلاً، تحس معه بحرارتها وصدقها، وأذكر في هذا الجانب ما قاله الشيخ محمد عبده وقت أن زار الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر (1820 – 1903) في مصيفه بـ”برايتون” في 10 أغسطس 1903، وقد كان الرجل في آخر عمره، وتناقش الرجلان عن مواضيع شتى بما في ذلك مسألة الدين والأخلاق، وقد تحدث الفيلسوف عن تدهور أخلاق الشعب البريطاني وذلك بسبب تغول الفكر المادي والإيمان بأن الحق للقوة، وقد علق محمد عبده على حديث الفيلسوف قائلاً: “ماذا حركت مني كلمة الفيلسوف “الحق للقوة” إلخ؟ جاءت منه مصحوبة بشعاع الدليل فأثارت حرارة، وهاجت فكراً، ولو جاءت من ثرثار غيره كانت تأتي مقتولة ببرد التقليد، فكانت تكون جيفة تعافها النفس فلا تحرك إلا اشمئزازاً وغثياناً…”[1].

أعود إلى النادي الثقافي، في الصفوف الأخيرة من القاعة، حيث وقعت عيني على شيخ كبير في السن يقعد في الوسط من الصف الأول، يرتدي اللباس العماني المعتاد، إلا أنك ستدرك من طريقة اللباس أنك أمام شخص من جيل متقدم جداً، وحيث إن ظروف الحياة لأجيالنا المتقدمة في عُمان اقتضت منهم الانصراف عن مسائل المعرفة والثقافة إلى ما هو حالٌّ وضروريٌ من كسب أسباب العيش، فبالنسبة لظروفهم، كانت المعرفة والثقافة من مسائل “الترف” البعيدة المنال، ولهذا وجدت في نفسي – وأنا المحمل بأوضار المجتمع وأوشابه وصوره النمطية- استفهاماً كبيرا: من هذا؟ بل وماذا يفعل في الصف الأمامي؟، ولدى انتهاء الأوراق المقدمة في الندوة، قال مدير الندوة بأنه سيعطي المنصة للأستاذ صادق جواد سليمان ليتحدث في كلمة قصيرة عن مسالة التصوف، وهنا توجه الشيخ السبعيني صوب المنصة، واستقبل الجمهور، وبدأ بالتحدث، ومن أنت حتى لا تسحر بصادق جواد؟ وحسن بيانه؟ ووضوح أفكاره وقوتها وتسلسلها؟ ولغته العربية الفصحى الفاتنة، التي يحرص على التحدث بها في كل أحواله بدون لحن أو خلل؟ وهل لك وأنت ترهف السمع إلى صادق جواد إلا أن تحس بالكون الفسيح أقرب مما كنت تتصور؟ وأن تجد في التفاصيل الصغيرة براحة ومتسع للتفكر والتأمل؟ هكذا، هشّم الرجل تلك الصورة النمطية التي رسمتها في عقلي عن الرجل في الوهلة الأولى؟ أولم أكن أدرك معنى أن الإنسان بـ”مخبره لا بمظهره”؟، ما أسهلها من حكمة، وما أصعب أن تُستنبَت أصيلة في وجداني، فلا يُكذّبُ سلوكي جوهرها، كان هذه الدرس أول درس أتلقاه من هذا الشيخ الفتي، كانت حرارة حضوره، وأصالة طرحه، كفيلة بأن ترسخ هذه الحكمة في نفسي عميقاً.

ثم انقضى عام كامل، وحدث أن شاركت في حوار نظمته مؤسسة رؤية الشباب للمؤتمرات عن جدلية مصطلح المواطنة في جامعة السلطان قابوس (عام 2012)، ولدى دخولي القاعة، أحسست بفيض من السعادة عندما رأيت صادق جواد يتوسط الحضور، فذهبت لأتحدث معه في حديث استمر قرابة النصف ساعة قبل بدء الفعالية، ما أزال أتذكر تفاصيل تلك المحادثة، إلا أن ما عَلَق في ذهني أكثر من غيره رده على شاب كان يجلس بجانبه أيضاً، وبدا لي حينها أن الشاب عضو في فريق معين يعمل على مشروع، وأن صادق جواد يشرف على هذا المشروع بصورة أو بأخرى، وقد قال الشاب مخاطباً صادق بأن جهة رسمية معينة قامت بإيقاف المشروع، فقال صادق بكل بساطة: يجب أن نفرق بين حالتين، إذا كان قرار الوقف تم لأسباب إجرائية معقولة، فهذا أمر نحترمه ويجب أن نتمم الإجراءات المقررة، أما إذا كان هذا الأمر غير مسبب وغير مبني على أسباب معقولة، فهذا أمر مرفوض [2] ، وأنهى الرجل حديثه هكذا، بدون أن يظهر عليه أي انفعال –بالمفهوم الواسع جداً لكلمة الانفعال- ، ولم يفرح بهذا المنع كما يفعل الكثيرون ويترجمون هذه الفرحة الساقطة بالعويل، وبالتلذذ بدور الضحية. وعلى الرغم مما في هذا الموقف من بساطة إلا أنه بقي مختمراً في ذهني لسنوات طوال.

ثم انقضت أعوامٌ أُخرْ، وعزمت على زيارة الرجل في مسكنه المتواضع، كانت زيارة طويلة على الرجل، إذ استمرت أربع ساعات، وهو الرجل الذي تجاوز الثمانين، ولدى دخولي عتبات مسكنه، كنت على يقين أني بصدد لحظة استثنائية، شحذت كل تفكيري، واستجمعت كل جوارحي حتى استفيد من كل لحظة، ومن كل شيء، سألت الرجل في ذلك اللقاء أسئلة كثيرة، واستمعت لحديثه كثيراً، تفتحت في ذهني آفاق كثيرة، أحسست أن تلك السويعات بمثابة إعلان الانتهاء من مخاضِ مرحلة جديدة، اللحظة التي يتم فيها الانتقال إلى صفحة أخرى، بكل ما فيها من أفكار ورؤى وتصورات وأسئلة وتحديات حول الإنسان وعلاقته بالكون والوجود. في لحظة من اللحظات، التفت الرجل إلى الغرفة التي كنا فيها مشيراً إلى كل زاوية من زواياها قائلاً بوضوح، بقوة، بعمق: “أنا في بحبوحة كما ترى”، لم يكن ما أشار إليه الرجل غرفة في قصر منيف، مرصعة بكل ما من شأنه أن يبهر عين الإنسان، بل كانت غرفة متواضعة محاطة بالكتب من كل مكان، أقول هذا عن رجل عاش في فترة تاريخية اغتنى فيها من اغتنى، لم يكن بينك وبين أن تغتني إلا أن تقرر أنك تريد أن تغتني، لتعيش في أحياء مسقط الراقية، وتحوز ما شئت من المساحات كيما يطيب عيشك، لاسيما وأنت المتعلم والمثقف والنافذ في شأن الدولة، ولكن ليست تلك بحبوحة العيش عند أهل الفضل، البحبوحة أن تكون في تلك الغرفة بالذات، تحيط بك الكتب، وتجد من الوقت الكفاية للتأمل العميق والتفكر الفاحص، هذه هي اللذة القصوى، يتذكر صادق قائلاً: (صديق قديم زارني يوما قبل سنوات في شقتي في روي وأنا جالس لوحدي بين كتبي، فأشفق عليّ من العزلة، وقال: ماذا تصنع وحدك بين هذه الكتب؟ ألا تستوحش؟ ألا ينتابك سأم؟ فأجبته: هي تبدو لك كتبا، وهي كذلك، ولكن بين دفتي كل كتاب شخص أدار نظره في شأن من شؤون الحياة، ثم أفرغ خلاصة نظره في الكتاب، وحظّي أنه بذلك مكنني من أن أتعرف على فكره ومعرفته، وإن لم أتعرف عليه شخصيا. من هنا استئناسي بالكتاب هو في الحقيقة استفادة من عطاء واضعه) [3] ، يقول صادق بأن هدفه في كل يوم تطلع فيه عليه الشمس هو “توسيع المعرفة” و “تزكية النفس”، وتوسيع المعرفة ليست أن تعبّ عبّاً من الكتب فقط، لا، بل أن تتفكر في كل شيء، أن تعمق فهمك للأشياء التي تظن أنك قد فهمتها، أن تطيل التأمل حتى يتجلى أمامك معنى قصي، هكذا ينمو العقل والفكر، فليست النملة مثالًا يحتذى به في هذا الجانب، على الرغم مما يشهد لها من الدأب والنشاط والمثابرة، إلا أن الأمور بمنتهياتها، فما الفائدة في تكديس المعارف فوقها فوق بعض، فمهما شكلت من هذا المعارف بناءً شامخًا، يبقى في مستواه دون قطرة واحدةٍ من العسل، أنتجتها نحلة صغيرة، أن تستقي من أطيب الزهور، ثم تخرج لنا من بطنها شرابًا مختلفًا ألوانه، ولن يكون هذا إلا بتوطين التفكر والتأمل في نفسك وجعله أصلًا أصيلا في حياة الإنسان، يُعرف به، وتتشكل به هويته. أما تزكية النفس فما هي إلا السؤال الدائم الموجه أبداً للنفس: من أنا اليوم مقارنة بما كنته في الأمس؟ أن تكون أنت كما أنت فهذه غفلة، وأن تكون أحطّ مما كنته فهذه دناءة، وأن تكون أفضل وإن قليلاً فهذا ترقٍ وسمو، التزكية يجب أن تكون كذلك مشروعاً دائماً، لا منتهى فيه، ولا ينبغي أن يكون له منتهى، وهذا الترقي تدفعه بسائط الأمور في حياة الإنسان كما تدفعه جليلها، فهو أوسع من أن ينحصر في شيء بعينه.

ولما كانت توسعة المعارف وتزكية النفس هما الغاية، وجب أن نفطن إلى الغبش الذي قد يعترض الطريق إليها، وأن نجرد أنفسنا من كل معيق عن بلوغها، ومن المعينات في هذا الجانب بحسب صادق، أن تبذل جهداً في فهم الأمور والظواهر، وإدراك السياقات التي نشأت/تنشأ فيها، فـ” كل شخص/جماعة /تعبر عن طبيعته/ـا” [4]، التعمق في فهم هذه المسألة، ووعيها بشكل دقيق يفترض به أن يقودنا إلى التخلص من الانفعال في التعامل مع الأشخاص/الظواهر/الأشياء، وعلى الرغم أن الانفعالات هي لازمة في طبيعة الإنسان، إلا أن التخفيف من غلوائها وتأثيرها على سلوكنا أمر مندوب، والعلة في ذلك هي أنك كلما تخففت منها، كلما كنت أقرب إلى القصد والعدل والدقة، بمعنى أنها غشاوة تقل وتكثر، وكلما قلت اتضحت الرؤية وقويت الفكرة. وعلاوة على ذلك، فإن التخلص من غلواء الانفعال سيقطع الطريق أمام أفكار من قبيل الشعور بـ”الخصومة” “التضاد” مع الأفكار/الأشخاص/الظواهر من حولك، وبذلك تنتقل إلى أفق أرحب، ومستوى أعلى في النظر، فتتأصل في أعماقك فكرة أنك تمارس وظيفتك الطبيعية في النظر والتفكر والفهم وكشف السياقات، وبذلك فإنك تعبّر عن طبيعتك بأساليبك، وأن الأشياء من حولك تعبّر عن نفسها بحكم طبيعتها، وبحكم السياقات التي كشفتَ عنها، فموقفك يكون بكل بساطة كالنجار في منجرته، والرسام في محترفه، والطبيب في عيادته.

ولد صادق بمدينة مطرح بمسقط عام 1933، وارتحل في خمسينيات القرن الماضي إلى الكويت للعمل في الصحافة، وعاد إلى عمان عام 1973، وعمل من عام 1977 وحتى 1979 مديرًا للشؤون الخارجية في وزارة الخارجية، وسفيرًا لسلطنة عمان في الولايات المتحدة في الفترة من 1979 وحتى 1983 [5]، ومن هذا العام بقي متنقلاً بين واشنطن ومسقط، وأصبح لفترة رئيس المجلس الاستشاري لمركز الحوار العربي في واشنطن الذي تم تأسيسه بمعية الكاتب صبحي غندور[6]، لصادق تجربة حياتيةً ثرية، لسان فصيح، في العربية كما في الإنجليزية، وأحسب أن الرجل يتحدث الأوردية كذلك، تسمع حديثه فتدرك بأن له اطلاعًا واسعًا في الفلسفة والفكر، يؤخذ على صادق أنه مقلٌ في الكتابة، صحيح أن للرجل مقالات ممتازة [7]، تلمس فيها وضوح الفكر والرؤية، وتسلسل الأفكار وترابطها واتساقها، إلا أن ذلك لا يغني عن الكتاب، وإني لأتمنى بصدق أن يقدم لنا الرجل كتاباً يحدثنا فيه عن سيرته الفكرية صنو ما فعل زكي نجيب محمود أو المسيري[8].

لقد توالت زياراتي لصادق، إلا أنها كانت محدودة من حيث الزمان، وأذكر أني في إحدى هذه الزيارات، سألته قبل المغادرة عن الموسيقى، كنت أريد معرفة ذوقه الموسيقي، قال لي ببساطة إنه لا يستمع للمعزوفات الغربية، ولكن يستمع للأغاني العربية، سألته لمن تسمع، قال لي: فيروز أغانيها لطيفة، ولأم كلثوم، إلا أنه غير مكثر من الاستماع، كدت أن أطير فرحاً عندما ذكر فيروز، لأن فيروز بالنسبة لي ليست مجرد مغنية بل هي أمٌ و وطن. كنت لدى جلوسي مع الرجل أستشعر بصدق حجم البون الشاسع بيني وبين صادق، غزارة معرفته واتساعها وضحالة معارفي وسطحيتها، خبرته العميقة والعريضة في الحياة، ومحدودية تجاربي وهامشيتها، ما أشبهنا بادمون دونتيس والأب فاريا إذ جمعتهما ظلمة السجن في رواية الكونت دي مومنت كرستو[9].

لصادق جواد سليمان أعذب الحب وأنقاه.

______________________

[1] زكي نجيب محمود، قصة الفلسفة الحديثة، ص 461

[2] هذه ليست كلمات صادق بشكل دقيق، وإنما مفهوم ما قاله وقتئذ.

[3] انظر إلى كلمة صادق بمناسبة اليوم العالمي للكتاب

https://www.diwanalarab.com/spip.php?article23155

[4] العبارة بصيغتها هذه لسعيد بن سلطان الهاشمي من حوار شخصي معه

[5] يوجد العديد من المثقفين في تراثنا الثقافي ممن اشتغلوا في العمل الدوبلماسي مثل عمر أبي ريشة ويحيى حقي وغازي القصيبي

[6] أنظر:

http://www.alhewar.com/SadekDemAndShura.htm

[7] أنظر إلى بعض من مقالات صادق جواد سليمان:

https://www.diwanalarab.com/spip.php?auteur671

وأنظر أيضاً:

http://www.alhewar.com/SelectArticles.html

[8] “حصاد السنين” لزكي نجيب محمود، و “رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر” لعبدالوهاب المسيري

[9] لمعرفة المزيد عن الرواية