Image Not Found

ثنائية الطائفية والقبلية في السلطنة العمانية

Visits: 48

د. عبده البحش – التغيير برس

مقدمة:

وفقا لدراسات دولية، يبلغ عدد سكان عمان حوالي خمسة ملايين وثلاثمائة الف نسمة، ويتشكل المجتمع العماني من غالبية اسلامية بنسبة تقدر بحوالي 87%، فيما يشكل المسيحيين حوالي 6.5%، ويشكل الهندوس حوالي 5.5%، وهاتان الفئتان تتشكلان من العمالة الاجنبية المقيمين في عمان. سلطنة عمان بلد متنوع للغاية، يحتوي على العديد من الهويات العرقية والدينية والإقليمية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى موقع عُمان الجغرافي وإرثها التاريخي. من الناحية الطائفية، المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد، من ظفار إلى الشرقية، هي في الغالب من المسلمين السنة، في حين أن المناطق الداخلية والشمالية هي معقل الإسلام الإباضي. وعلاوة على ذلك توجد أقلية شيعية صغيرة تتركز في مسقط ومطرح. يتميز المجتمع العماني بتركيبته القبلية المتنوعة، والتي هي بطبيعة الحال قبائل عربية قحطانية وعدنانية في غالبيتها. هذه القبائل تتوزع على الخريطة العمانية من الشرق الى الوسط والشمال والمناطق الداخلية. تهدف هذه الدراسة الى فهم التركيبة القبلية العمانية وتوزيعها على الخريطة، مع سرد المناطق، التي تتمركز فيها كل قبيلة، او مجموعة التحالفات القبلية، التي تتمركز في مناطق محددة. وتهدف الدراسة ايضا الى تقديم فهم اوسع للواقع المذهبي في السلطنة، من حيث الامتدادات الجغرافية، والعلاقة بين التنوع المذهبي والتعدد القبلي. بالاضافة الى فهم العلاقة بين المذاهب المختلفة، لا سيما الاباضية والسنية.

لمحة عن القبائل والمذاهب العمانية

ان قراءة التاريخ السياسي للسلطنة العمانية خلال الألف وخمسمائة سنة الماضية تقود الى نتيجة مفادها أن القبيلة هي الحاضن الاساسي للدولة وليس العكس. ان الدولة العمانية بكل مراحلها المختلفة وتطورها ارتبطت بقبيلة الحكم. عبر هذا التاريخ الطويل خضعت عمان لحكم عدد من القبائل أهمها اليحمد، وبني خروص، والنبهانة، واليعاربة، والخليلي، والبوسعيد. وهذه الأخيرة تحكم عُمان منذ عام 1744 وحتى الآن. تعتبر القبيلة واحدة من أهم المكونات الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي عامة والمجتمع العماني خاصة، وقد لعبت القبيلة العمانية دوراً بارزاً في الأحداث السياسية عبر التاريخ العماني. يبدو جليا أن شكل الولاء السياسي للقبيلة ليس ثابتاً بل يتغير وفق الظروف والمعطيات السياسية، ومدى تأثير تلك العلاقات على استقلال القبيلة. منذ تولى السلطان الراحل قابوس بن سعيد مقاليد السُلطة بعد الإطاحة بوالده عام 1970، ومنذ قيام ما يُمكن وصفه بدولة القانون والمؤسسات، تمكنت هذه الدولة من الحد من حضور القبيلة في الحياة السياسية لكنها لم تنه هذا الحضور، بل أبقته على الرف لاستخدامه عند الضرورة. يتكون المجتمع العماني من ما يزيد عن 229 قبيلة بعضها قبائل رئيسية والغالبية العظمى قبائل فرعية.

بالرغم من الصورة الوردية التي تروج لها السلطات العمانية عن التسامح المذهبي والحرية الدينية في ممارسة الشعائر المذهبية، الا ان الواقع على الارض يبدو قاتما فيما يخص تعامل السلطات العمانية مع مختلف المذاهب الاسلامية في السلطنة، السنة والاباضية والاقلية الشيعية. من الواضح ان السلطات العمانية تمارس نوعما من التمييز والمحاباة لصالح الطائفة الاباضية، التي تنتمي اليها القبيلة الحاكمة، قبيلة البو سعيد، وهي قبيلة السلطان قابوس وخليفته السلطان هيثم بن طارق. تظهر آخر دراسة أجريت في عام 2015م أن 45 بالمائة من السكان الأصليين في عمان يعرفون بأنهم من الإباضية، بينما يشكل الإسلام السني ما يقرب من 50 بالمائة من السكان. أما نسبة الـ 5 المائة المتبقية فهي مزيج من المسلمين الشيعة والهندوس والمسيحيين. لقد تمكنت الدولة العمانية من انقاذ البلاد من الصراع الطائفي من خلال تتجنب تدريس العقيدة الطائفية أو تاريخ الانقسام في الإسلام. يتم تعليم المناهج فقط من خلال المبادئ الإسلامية العامة دون منازع من قبل السنة أو الشيعة أو الإباضية. يبدو أن هذا النهج قد عزز النسيج الاجتماعي للبلاد. ومع ذلك فان طبيعة المجتمع العماني المسالمة والمتسامحة قد ساهمت ايضا في تحقيق اهداف صانعي القرار السياسي في السلطنة العمانية. ومع ان الواقع المذهبي في البلاد يبدو هادئا، الا ان الغالبية السنية تتحدث عن مظالم كثيرة وتهميش متعمد من القبيلة الاباضية الحاكمة.

الخريطة المذهبية للمجتمع العماني

تعتبر عُمان الحصن الحصين للأباضية، فقد استطاع الأباضيين أن يطبقوا نظريتهم العقائدية بشكل عملي منذ قرون عديدة، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة والحكم، والتي ترتكز على الشورى، وعدم اشتراط النسب القرشي عند اختيار منصب الإمامة. مخالفة بذلك جميع المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية الأخرى. ولكون عُمان بلداً يقع بين دولتين تمثلان قطبي الإسلام الطائفي الشيعي والسني (إيران والسعودية)؛ فإن أمرا من قبيل الاستفزاز المذهبي لا بد وأن يدق نواقيس الخطر لدى القبيلة الحاكمة في سلطنة عمان، التي تنتمي الى المذهب الأباضي. استجابت الأباضية الحاكمة لهذا التحدي عندما دشنت الحكومة العمانية حملة واسعة ترمي الى الاهتمام بالمذهب وأتباعه وذلك من خلال؛ تمويل بناء المساجد، وإنشاء المعاهد الإسلامية لإعداد جيل من الوعاظ والمرشدين والقضاة الشرعيين باشراف مباشر من ديوان البلاط السلطاني.

اخبار التغيير برس
يؤكد التقرير الدولي لحرية الاديان لعام 2020م ان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية تقوم بمراقبة خطب يوم الجمعة وتوزيع النصوص المعتمدة على جميع الأئمة في كافة مساجد السلطنة. مما يعني ان الطائفة السنية الاوسع انتشارا في عمان تخضع للتوجيه من الاباضية الحاكمة، لكن طائفة الاقلية الشيعية لا تتعرض للضغط كونها لا تشكل خطرا على السلطة القائمة في عمان. يشتكي اهل السنة مرارا وتكرار من الكبت والاقصاء الممنهج في نواحي عديدة اهمها استبعاد اهل السنة من مؤسسة الفتوى، والاستبعاد من المؤسسة القضائية، والسيطرة الكاملة على بعثة الحج وحرمان اهل السنة منها. وعلاوة على ذلك يمنع اهل السنة من انشاء الكليات والمعاهد الاسلامية، فقد اغلقت السلطات المعهد الاسلامي في ظفار لاسباب طائفية بحتة، وفوق هذا تسيطر الاباضية على اموال الوقف بشكل كامل بما في ذلك، التي تقع في مناطق اهل السنة.

يبدو ان الأقلية الشيعية في عمان مرتاحة جدا للوضع، الذي تعيش فيه الان وللمعاملة، التي تنالها من القبيلة الاباضية الحاكمة في السلطنة، وهو على العكس من المعاملة، التي تتلقاها الطائفة السنية هناك. اغلب المصادر بما فيها الشيعية تشير الى ان الاقلية الشيعية في عمان تزدهر في الوقت الراهن، فالطائفة ابتعدت عن الصراعات السياسية وركزت على الاعمار التجارية، ولذلك فهي تتميز بالثراء والرفاهية الاقتصادية. وعلاوة على ذلك حظيت الطائفة بثقة السلطان الراحل قابوس، الذي عين عددا من افراد الطائفة في المناصب العليا للدولة. ينقسم الشيعة الإثنى عشرية في سلطنة عُمان إلى ثلاث جماعات: الأولى، هي اللواتية، وهي أكبر المجموعات الشيعية في البلاد، وقد استوطنوا حيا خاصا بهم في مطرح، وانتقل كثير منهم إلى العيش في مسقط وضواحيها الجديدة، ويسكن بعضهم في مدن الباطنة، مثل بركاء والمصنعة والخابورة وصحم، ويعود اصل اللواتية الى اقليم السند في باكستان. المجموعة الثانية هي الشيعة البحرينون، الذين هاجروا إلى عُمان في القرون القليلة الماضية، ويغلب عليهم أيضاً الاشتغال في التجارة، ولهم نفوذ سياسي واسع، ولاسيما أنهم يشغلون مواقع مهمة في الديوان السلطاني. أما الجماعة الثالثة والأخيرة، فهم الفرس أو العجم، وهم يعيشون منذ قرون في مسقط ومنطقة مطرح، وفي منطقة الباطنة أيضاً، وقليل منهم يعيش في مسندم ومدينة صور الساحلية. ويشتغل العجم بالتجارة أيضاً، ومنهم مسؤولون يتولون المناصب الحكومية.

لا يمكن تصنيف القبائل العمانية على اساس طائفي، لأنه غالبا ما يتوزع افراد القبيلة الواحدة على المذهب الاباضي والمذهب السني، وهذا التداخل موجود على نطاق واسع، خاصة في المناطق الحضرية، لكن التمايز المذهبي تحدده الجغرافيا اكثر من العنصر القبلي، فهناك مناطق تشتهر بالغالبية الاباضية ومناطق اخرى تشتهر بالغالبية السنية، وخاصة المناطق الحضرية، اما المناطق البعيدة والمعزولة فهي غالبا ما تكون اباضية خالصة او سنية بحتة. على سبيل المثال تشكل الأباضية الغالبية العظمى في المنطقة الداخلية، ونسبة متقاربة مع اهل السنة في محافظة مسقط، وتشكل الاباضية أقلية في المنطقة الشرقية ومنطقة الباطنة ومنطقة الظاهرة، ونسبة شبه معدومة في محافظة ظفار ومحافظة مسندم والمنطقة الوسطى.

الخاتمة

تمتاز سلطنة عمان بتنوعها الاجتماعي عرقيا وثقافيا ودينيا ومذهبيا، بسبب موقعها الجغرافي الذي يطل على ثلاثة بحار هي بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي. السلطنة العمانية هي البلد العربي والخليجي الوحيد، الذي حكم ومازال يحكم بواسطة المذهب الاباضي. سياسة العزلة التي انتهجها السلطان الراحل قابوس بن سعيد ساهمت في الحفاظ على التماسك الاجتماعي رغم التباين العميق، وهذا ادى بدوره الى نجاة السلطنة من نيران الحروب الطائفية التي مزقت الشرق الاسط. تتكون القبائل العمانية من غالبية عربية قحطانية وعدنانية، بالاضافة الى وجود اقليات هندية وباكستانية وفارسية وافريقية، لكن هذه الاقليات مندمجة في المجتمع العماني ويتمتع بعضها بوضع اقتصادي وسياسي افضل من بعض القبائل العربية المنتشرة في عموم السلطة باعداد كبيرة. تتكون السلطنة من غالبية مسلمة تقدر بأكثر من 87% مع وجود أقليات مسيحية وهندوسية معظمها من العمالة الاجنبية في البلاد. الغالبية المسلمة في السلطنة تنقسم الى ثلاثة اقسام، طائفة سنية تقدر بحوالي 50%، وطائفة أباضية تقدر بحوالى 45%، وطائفة شيعية تقدر بحوالي 3%، وهذه الطائفة الأقلية هي الاكثر سعادة في البلاد نظرا لسيطرتها على التجارة وتولي افرادها مناصب عليا في الدولة العمانية. على ما يبدو ان الطائفة السنية تعاني من التمييز والاقصاء، وهذا واضح من التذمر الذي يعبر عنه بعض الافراد بشكل خجول، لكن هذا لم يؤدي الى صراع عنيف حتى الان بفضل سياسة السلطان الراحل الهادئة وبفضل الرفاهية الاقتصادية التي حققها لشعبه عند توليه مقاليد الحكم بدلا من والده. من الصعب تصنيف القبائل العمانية الى سنة واباضية نظرا للتداخل الكبير بين المذهبية والقبلية، ولكن يمكن القول ان الاباضية تتمتع بغالبية كبيرة في المنطقة الداخلية، وغالبية بسيطة في محافظة مسقط. بالاضافة الى وجود اقلية اباضية في المنطقة الشرقية ومنطقة الباطنة ومنطقة الظاهرة، ونسبة شبه معدومة في محافظة ظفار ومحافظة مسندم والمنطقة الوسطى. فيما تتواجد القبائل السنية بأغلبية ساحقة في محافظة ظفار والمنطقة الوسطى، ويشكل السنة أغلبية غير ساحقة في المنطقة الشرقية ومنطقة الباطنة ومنطقة الظاهرة.